هيرمان هيسه أديب يبحث عن سر الوجودية – DW – 2012/8/8
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هيرمان هيسه أديب يبحث عن سر الوجودية

٨ أغسطس ٢٠١٢

هذا العام تحتفل الأوساط الثقافية في ألمانيا، وفي العالم بأسره بالذكرى الخمسين لوفاة الكاتب الألماني الشهير هيرمان هيسه (1877- 1962) الذي كان رائداً في "أدب التجربة" ومبدعاً بأسلوبه الشاعري المتميز.

https://p.dw.com/p/15kgh
08.2012 DW Highlights August Hermann Hesse
08.2012 DW Highlights August Hermann Hesse

في البداية اتجه هيرمان هيسه إلى عالم الشعر، ولكنه ما لبث أن اكتشف موهبته في الرواية حتى توجَّه إلى كتابتها مبدعاً فيها إبداعاً فذَّاً. ولكنه مع ذلك كان يقول: "إما أن أكون شاعراً أو لا أكون". والجدير بالذكر أن هيسه أصدر 12 ديواناً شعرياً وقد وصفه توماس مان بـ"عندليب يبدع من لغتنا صوراً من أصفى الملامح وأرقّها"، عدا عن أن قصائده حضرت في معظم أنطولوجيات الشعر الألماني.

في الرواية وجد صاحب "عودة زردشت" (1919) نفسه أكثر عطاءً. ففي هذه التجربة الأدبيّة شق هيسه طريق البحث عن الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأنا بالمعنى الايجابي. ولكنه رأى نفسه تائهاً وباحثاً، كما كان غوته صاحب "ديوان الغرب والشرق"، وهذا ما ظهر جلياً في شخصيات رواياته. وتبقى رواية "لعبة الكريات الزجاجية"، التي قد عكف هيسه على كتابتها بين عام 1931 وعام 1942، هي الرواية الأشهر لهيسّه والتي نوَّهت بها الأكاديمية السويدية في تبرير منحه جائزة نوبل سنة 1946.  

وبفضل أسلوبه الشاعري المتميز ومواضيعه الإنسانية والنفسية العميقة، أصبح هيسه كاتباً كونياً، وهذا ما أعطاه شهرة خاصة في عالم لغة الضاد أيضاً. حيث يعتبر هيسه من أكثر الكتاب الألمان ترجمة إلى اللغة العربية.

ويذكر أن شعبية أدبه تضاءلت في السنين التي تلت وفاته، حيث وصف النقاد إنجازه الأدبي آنذاك بـ "الفن الهابط". ولكن حركة الهيبيز التي ظهرت في الولايات المتحدة، ساعدت في عودة شعبيته وانتشار أدبه من جديد.

هيسه الرومانطيقي

إن ما يميز هيسه عن زملائه الرومنطيقيين الآخرين، الذين سعوا إلى تعريف مشاكل الوجودية عند الإنسان، هو كينونته التي اتحدّت روحانياً مع عناصر الكون، هذا الكون الذي بحث دائماً عنه وربما لم يجده. وهو من غاص في طبيعة هذا الإنسان الذي يحرك الكون ولكنه يبقى ضعيفاً أمام جبروته، وهذا ما ظهر جلياً في أعماله التي كتبها بعد 1916 مستنداً إلى نظريات عالم النفس المشهور كارل يونغ، بعد تردده إلى عيادة الطبيب النفسي جوزيف يونغ أحد تلاميذ كارل يونغ. حيث كان هيسه يعاني من مرض الإكتئاب الذي أوصله إلى طريق مسدود!

Ausstellungstipps v. 22.02.2007 Hermann Hesse. Dichter und Maler im Leopold Museum Wien : www.leopoldmuseum.org - Roy Lichtenstein
هيسه شاعراً وروائياً ورساماًصورة من: presse/LM

وقد وصف بعض النقاد هيرمان هيسه بأنه أحد أبرز روائيي القرن العشرين، وواحد من أهمّ الأدباء الألمان منذ عصر النهضة. ونتيجة التحوّلات التي شهدها مطلع القرن العشرين هرب إلى ذاته الداخلية أكثر، حيث غاص الروائي والشاعر والرسام هسه في أعماق النفس البشريّة باحثاً عن "الوحدة الكونيّة الأولى". وهو الذي قال: "إن دور الكاتب ليس تفسير العصر الذي يعيش فيه، أو تحسينه، بل استخدام معاناته الشخصيّة وأحلامه لإطلاع القارئ على عالم كامل من الصور والروح والخبرة." ويبقى نتاجه الأدبي خير دليل على إيمانه بذلك. وحسب ما قالته ألريكه دينكر مختصة الأدب الألماني والأدب المقارن في حديثها مع DWعربية: "لقد ركزت مسيرة هيسه الروائية على ترجمة كل ما عايشه في حياته اليومية، لاسيما في ظل التغيرات الجذرية التي شهدها مطلع القرن العشرين. اذ جسد الأحداث من حوله في رواياته التي أظهرت حبه للطبيعة واحترامه للتقاليد والقيم الإنسانية."

هيرمان هيسّه رسّاماً

قلة قليلة تعرف أن هيرمان هيسّه صاحب "ذئب السهوب" و"سيدهارتا" وغيرهما من الأعمال الروائية العظيمة أنه كان رسّاماً مبدعاً أيضاً. وتؤكد دينكر : "لقد لعبت تجربته في الرسم دوراً مهمّاً في تطوير لغته البصرية وفي تشكيل رؤيته وفهمه لوظيفة الفنّ وعلاقته بالأدب." وتضيف: "بدأ تحوّله إلى الرسم في وقت كان يمرّ فيه بضغوط نفسية شديدة، حيث نصحه طبيبه النفسي بالانخراط في الرسم." فعندما انتقل هيسّه إلى مونتاغنولا وجد فيها مكانا مثاليّا لمعالجة الجراح والمشاكل التي كان يعاني منها في حياته. في هذا المكان تأججت فيه روح الحماسه للكتابة والرسم. وقد أثّر عليه جوّ القرية الهادئ والوديع بشكل كبير لأن يبدع كروائي وكرسام. ويقول الفنان التشكيلي إبراهيم عوض في حديثة لـ DW عربية : "أن هيسّه كان شاعراً يكتب بعيني رسّام."

Bildgalerie Der Maler Hermann Hesse Kunstmuseum Bern
احدى لوحات هيسه في برن / سويسراصورة من: 2012, Hermann Hesse- Editionsarchiv, Volker Michels, Offenbach Fotonachweis: Kunstmuseum Bern

والجدير بالذكر أنه تمّ بناء متحف صغير في مونتاغنولا تكريماً لـ هيسّه وللسنوات الثلاث والأربعين التي قضاها هناك، وتعطي معروضات المتحف فكرة عن حياة الأديب العبقريّ الذي كان متأثّرا بشكل كبير بروح هذا المكان.

ويحتوي المتحف على مجموعة من الكتب التي كان يحتفظ بها لـ غوته وجان بول، وكان يعتبرهمامن الكتاب المفضّلين اليه. كما يتضمّن مجموعة من الرسائل التي تلقّاها هيرمان هيسّه من مجموعة كبيرة من الشخصيّات المعروفة آنذاك، مثل توماس مان وسيغموند فرويد وكونراد أديناور وغيرهم. والجدير بالذكر أن معارض عديدة قد نظمت لرسوماته في بازل ولوغانو بـ سويسرا.

هيرمان هيسه وفؤاد رفقة

 إن ما يجمع هيسه مع الشاعر السوري فؤاد رفقة (1930 / 2011) حبّه الكبير للطبيعة ولـ"حالة الإنسان الأولى" حيث تجلى تصوفهما في أعمالهما الأدبية. رفقة كان يرى الطبيعة هي المرجع الأول والأخير لكينونة الإنسان، وهيسه الباحث عن هذه الكينونة كان أدبه رداً على تشكيكه تجاه الحياة المعاصرة، حيث عايش الحربان العالميتان الأولى والثانية وبطش النازية في أوروبا. وطالما شغلته التناقضات في النفس الإنسانية وعبَّر عنها دائماً في رواياته الشهيرة.

Bildgalerie Der Maler Hermann Hesse Kunstmuseum Bern
من مقتنيات متحف هيسه في سويسراصورة من: 2012, Hermann Hesse- Editionsarchiv, Volker Michels Fotonachweis: Deutsches Literaturarchiv Marbach

في رواية "بيتر كامينزند" (1904) كان البطل تائهاً، وهمه الوحيد إثبات نفسه. في هذا الكتاب تسيطر الطبيعة بشكل مؤثر يجعل بطل الرواية يعود إلى "حالة الإنسان الأولى" ويجعله جزءاً من الطبيعة التي تدفعه لأن يتحول إلى مزارع. وهكذا فعل رفقة في إرجاع الإنسان إلى حالة الحطاب الذي يجول في الطبيعة ويتحد معها. ويقول الشاعر حسين حبش الذي كان قريباً من أدب الشاعر فؤاد رفقة ويعرف أدب هيرمان هيسه جيداً: "يتجلى البحث عن الذات الداخلية وفهم النفس عند هيسه في راويته "سيدارتا" (1923)، وفي "نارسيسيوس وغولدموند" (1932) بشكل واضح."

كانت حالة رفقة كحالة هيسه في شعوره بالغربة ضمن مجتمعه. ويؤكد الشاعر حسين حبش قائلاً: "كلاهما كانا غريبان، قضيا حياتهما في البحث عن مكان لهما في مجتمع لا ينتميان إليه." هيسه كان يملك الزهد الروحي، وهكذا كان رفقة أيضاَ، لقد غاصا في عالم الطبيعة والروح الإنسانية من خلال نتاجهم الأدبي المتعمق في الفلسفة الوجودية، حيث يفنى الجسد وتبقى الطبيعة سيدة الموقف. رفقة الذي توحد مع هذه الطبيعة انشغل في الفلسفة الوجودية ووضع خلف الوجود الإنساني إشارة استفهام، وقد عرّف الإنسان بأنه عنصر من عناصر الطبيعة الخالدة ولكنه زائل. وهو من قال يوماً: "في رُؤى الحطاب الشمس لا تغيب" ولكن عنده يخلد جسد الإنسان للرماد. وفي هذا الصدد يقول الشاعر السوري حسين حبش: "إن الفلسفة التي استند إليها رفقة في تعريفه للحياة وفي بحثه عن سر الوجود لم تكن بعيدة عن فلسفة هيسه." ويضيف: الجدير بالذكر أن رفقة ترجم هيسه الشاعر إلى لغة الضاد وتأثر به على نحو كبير. وكما نظر هيسه إلى حياة الإنسان الروتينية التي مهما امتدت فهي زائلة، كذلك شعر بها رفقة، " ورفقة، أليس هو القائل: "راية الأيام يوماً واحداً."؟ وكما تمحورت أشعار رفقة حول رهافة الطبيعة وازدواجية الإنسان في كينونته بين الخير والشر هكذا عبر هيسه في أدبه أيضاً.

فؤاد آل عواد

مراجعة: يوسف بوفيجلين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد