"مطاردة الحداثة" - معرض لفنون محظورة خلال الحقبة النازية في ألمانيا – DW – 2012/4/2
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"مطاردة الحداثة" - معرض لفنون محظورة خلال الحقبة النازية في ألمانيا

٢ أبريل ٢٠١٢

تتحول مدينة مولهايم، شمال غربي ألمانيا، إلى قبلة لهواة الفن والأدب والثقافة، حيث تستضيف معرضا يتضمن أعمالا كانت محظورة خلال الحقبة النازية في ألمانيا لرموز الفن والفكر ممن تعرضوا للمطاردة والاعتقال والقتل والنفي.

https://p.dw.com/p/14Vs5
Arthur Kaufmann "Die Geistige Emigration", 1939-1964, Triptychon, Öl auf Hartfaser, 211 x 343 cm, Kunstmuseum Mülheim an der Ruhr
صورة من: VG-Bild-Kunst, Bonn 2012

لوحة أرتور كاوفمان "الهجرة الفكرية" تلخص موجة هجرة المثقفين والعلماء، التي شهدتها ألمانيا بعد وصول النازيين إلى الحكم، فالعنوان يشير إلى ذلك على نحو مباشر: يقفون جميعا جنبا إلى جنب في صورة شبه وثائقية في شكل يشبه تلاميذ الفصل المصطفين في أحد الصور المدرسية: ألبرت أينشتاين وبرتولد فيرتل بالإضافة إلى كل من أرنولد تسفايغ وفريتس لانغ وإريكا مان وتوماس مان وغيرهم من المثقفين: 38 من الكتاب والملحنين وصانعي الأفلام والموسيقيين والممثلين.في خلفية اللوحة الفنية الثلاثية على اليسار يرفرف علم النازية وعلى الناحية الأخرى يتعرف المتأمل للوحة على علم الولايات المتحدة الأمريكية وفي القسم الأوسط من الصورة تظهر سفينة بخارية عابرة للمحيطات.

فترة تصفية المفكرين والمبدعين والفنانين

ما تظهره اللوحة ليس سوى جزء من موجة الهجرة الكبيرة آنذاك لصناع الحضارة من ألمانيا خلال الحقبة النازية إلى الولايات المتحدة خلال ثلاثينيات القرن الماضي. وقد كانت موجة تصفية المفكرين وقتها على أشدها، ومع ذلك فقد استطاع بعض الرجال والنساء، الذين تظهرهم الصورة النجاة بحياتهم، بينما لم ينجح البعض الآخر في إنقاذ أنفسهم، إذ تمت مطاردتهم أو تصفيتهم جسديا أو دفعهم للانتحار بل وخنق بعضهم بالغاز في معسكرات الاعتقال.

رسومات قصيرة صادمة مستمدة من السير الذاتية تشير إلى هؤلاء الذين تعرضوا للقتل والنفي وإلى هؤلاء الذين دمرت أعمالهم. لقد صوب الحكم النازي في ألمانيا كراهيته تجاه هؤلاء الذين مثلوا أفضل العقول في عالم الفن والثقافة، هؤلاء الذين أيدوا الحداثة والأشكال الجديدة، الذين أيدوا التجريب والإبداع بل ومارسوا أيضا النقد الاجتماعي ونقد المجتمع.

مشروع حضاري يجمع بين ألمانيا وبولندا

Um 1919 entstand mit Öl auf Leinwand das Werk "Billardspiel" von Waclaw Wasowicz, das als Leihgabe aus dem "Muzeum Sztuki w Lodzi" seinen Weg nach Mülheim an der Ruhr gefunden hat.
يوديت شونفيسنر (يسار) وبياته ريزه مديرة متحف الفن في مولهايم تحملان لوحة "لعبة البلياردو" التي رسمها الفنان البولندي فاكلاف فاسوفيتش عام 1919صورة من: Lothar Kornblum / LVR

"مطاردة الحداثة - فنون محظورة خلال حكم النازي" هو إذن العنوان المناسب للمعرض المقام في متحف الفن بمدينة مولهايم الألمانية. ويقام المعرض في إطار "عام بولندا في ولاية شمال الراين ويستفاليا 2011-2012". ويمكن أن يقال عنه إنه أول معرض مشترك بين ألمانيا وبولندا يظهر الجانب المظلم لسياسة الإبادة النازية. وتصف مديرة المعرض بياته ريزه المشروع الحضاري المشترك بين البلدين قائلة: "الجديد هنا أن المنسقة الألمانية قد شاركت زميلتها البولندية في تصميم المعرض، أي أن شخصين ينتميان إلى بلدين مختلفين خاضا نقاشات من أجل إجراء بحث وربما كتابة تاريخ مشترك".

ويعتبر معرض "مطاردة الحداثة - فنون محظورة خلال حكم النازي"، الذي سبق إقامته في مدينة كراكاو البولندية لافتا للنظر، من ناحيتين. فمن ناحية، نجح القائمون على المعرض في تقديم عرض واضح البناء، لكنه مبني على أسس علمية لتلك الحقبة من تاريخ الفن التي تضمنت الكثير من النهايات القسرية الرخوة والفواصل المفاجئة وهو ما يعبر عنه أيضا كتالوج المعرض الرائع. ومن ناحية أخرى، يتعرف المرء هنا على هؤلاء الفنانين وصناع الفن (باستثناء الفن التشكيلي فالأدباء والموسيقيون متواجدون أيضا في المعرض) الذين لا ينتمون حتى إلى قائمة "العظماء والمشاهير".

فنانون في طي النسيان

Dr. Beate, Reese, Direktorin des Kunstmuseums Mülheim an der Ruhr, Prof. Jacek Purchla, Direktor des International Cultural Centre, Krakau, und Milena Karabaic, LVR-Dezernentin Kultur und Umwelt (v.l.) eröffneten die Ausstellung "Jagd auf die Moderne". Mit zu den 180 präsentierten Werken der zur nationalsozialistischen Zeit verfolgten Künste gehört auch dieser "Weibliche Kopf" von Rudolf Belling.
بياته ريزه مديرة متحف الفن بمولهايم (شمال) مع ضيفين من مدينة كاراكاو البولندية أمام رأس لإمرأة صنعها الفنان رودولف بيلينغصورة من: Lothar Kornblum / LVR

ويرجع النسيان في معظم هذه الحالات إلى الحقيقة المحزنة المتمثلة في أن النازيين قاموا بتصفية الكثيرين من الفنانين جسديا، أو أجبروهم على الهجرة إلى الخارج. وكان هذا يعني بداية توجه فني جديد بالنسبة للكثير منهم ولكنه كان يعني على أية حال نهاية الجدال الفني حول وداخل وطنهم. من سمع مثلا شيئا عن فلورنتس روبرت شابون الذي انتحر في عام 1934؟ ومن لا يزال يتذكر لوته ب. بريشنر التي اضطرت للهرب إلى بلجيكا والاختفاء؟ ومن يتذكر اسم يوليوس غراومان الذي تمت تصفيته جسديا في معسكر الاعتقال أوشفيتس عام 1944؟

ويحتوي المعرض أيضا على لوحات لفنانين مثل إميل نولده وماكس بيخشتاين وأعمال لمبدعين مثل لودفيغ مايدنر وماكس إرنست. وكذلك توجد كتب لأدباء مثل توماس مان وإلزه لاسكر-شولر، ويمكن الاستماع إلى مؤلفات موسيقية لكورت فايل وهانس أيزلر. لكن أعظم اكتشافات المعرض تتمثل في الكثير من الفنانين والمفكرين "المغمورين". وتقول بياته ريزه، أن أحد زوار المعرض قد دون في سجل الزوار أن "هؤلاء الفنانين، الذين لم يحققوا شهرة في عصورهم، يمثلون الفرصة الحقيقية في مثل هذه المعارض". رأي يمكن مشاطرته دون أي تحفظات، خاصة حين يكون المعرض الفني مصمما بشكل ذكي يجعل الزائر يلتقي بالعديد من الأشياء الجديدة وغير المعروفة.

عروض فنية متميزة في "عام بولندا في ولاية شمال الراين وستفاليا"

Die ersten Ausstellungsstücke haben das Kunstmuseum in Mülheim an der Ruhr erreicht. Die Direktorin des Museums, Dr. Beate Reese und LVR-Kuratorin Judith Schönwiesner stellten die Werke vor. Darunter auch Lotte B. Prechners "Jazztänzerin" von 1929. (Fotos: Lothar Kornblum/LVR)
ريزه مع شونفيسنر ولوحة "راقصة الجاز" التي رسمتها الفنانة لوته بي بريشنرز عام 1929.صورة من: Lothar Kornblum / LVR

وتشير المنسقة الألمانية يوديت شونفيزنر إلى أنه خلال عام بولندا في ولاية شمال الراين ويستفاليا كان الهدف الاقتصار فقط على المنازل والمقتنيات الموجودة هنا في ولاية شمال الراين ويستفاليا؛ موضحة بالقول: "لأننا أردنا أن نظهر أن منطقة شمال الراين ويستفاليا منطقة غنية ثقافيا". واستطاعت في هذا الصدد الاعتماد بصفة خاصة على المقتنيات الوفيرة عن فن المنفى، التي قام بتجميعها الهاوي غيرهارد شنايدر من مدينة أولبه الألمانية، وكذلك مؤسسة الفنون المحظورة بمدينة زولينغن، شمال غربي ألمانيا. كما ساهمت أيضا العديد من المتاحف في منطقة الراين بمعروضات، وأمكن أيضا الاعتماد على المحتويات الهائلة لمتحف مولهايم نفسه، علاوة على الاستعانة بلوحات من المتاحف البولندية.

وبعد مرور 75 عاما على إقامة المعرض الشهير سيء السمعة الذي كان يحمل اسم "الفن المنحط" الذي تم تنظيمه من قبل السلطات النازية في مدينة ميونخ، باعتباره تحديد موقف لصورتهم الجمالية الدنيئة عن العالم، يأتي معرض مولهايم أيضا بمثابة رسالة تذكير بكل هؤلاء الفنانين والمفكرين الذين وُصمت أعمالهم آنذاك بصفة "الانحطاط". وتقول يوديت شونفيزنر: "جميع الفنانين الذين نعرض أعمالهم في المعرض تعرضوا بطريقة ما إلى المطاردة من قبل النازيين، أو تم حظر أعمالهم". ولكن معرض مولهايم يعرض الكثير من الأعمال التي نشأت في المنفى، وكان ذلك من ضمن أهداف المعرض، على حد تعبير شونفيزنر. وتضيف: "لقد أردنا إلقاء مزيد من الضوء على فترة المنفى وإظهار كيفية تعامل الفنانين في المنفى مع أوضاعهم الحياتية المتغيرة."

التعرف على حقبة فنية لجيران ألمانيا

Die polnische Kuratorin Dr. Monika Rydiger (links) und Judith Schönwiesner, LVR-Kuratorin für das Projekt "Jagd auf die Moderne" erläuterten Werke und Biographien der Künstlerinnen und Künstler - hier ein Werk von Katarzyna Kobro.
مونيكا ريديغر من بولندا (يسار) مع يوديت شونفيسنر أمام إحدى القطع الفنية في معرض "مطاردة الحداثة - فنون محضورة في عصر النازية"صورة من: Lothar Kornblum / LVR

كما يتعرف الزائرون للمعرض على حقبة فنية لجيران ألمانيا تكاد تكون مجهولة. وتقول ريزه: "لقد كان أمرا جديدا بالنسبة للكثيرين هنا رؤية إسهامات الفنانين البولنديين وكذلك التعرف على ما تم تدميره من الإنجازات الحضارية في بولندا بصفة عامة في تلك الفترة." وقد لقي معرض "مطاردة الحداثة - فنون محظورة خلال حكم النازي" أو ما يمكن تسميته أيضا بمعرض "مطاردة قامات الفن والفكر" اهتماما كبيرا في بولندا. وكان التعرف بعض الشيء على تاريخ الفن والثقافة الألمانية أمرا جديرا بالاهتمام بالنسبة للزائرين البولنديين لأسباب ليس أقلها أن المعرض كان فرصة ليعرف الناس في بولندا أن الكثير من الفنانين ورواد الثقافة في ألمانيا قد تعرضوا للمطاردة أيضا. "لم يكن هناك في ألمانيا (النازية) فقط جيل من المجرمين"، على حد تعبير ريزه وتقصد بذلك النازيين خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

يوخين كورتن/ صلاح شرارة

مراجعة: شمس العياري