بن جلون: "على أوروبا أن تتعامل مع تغير بنيتها السكانية بالعدل والمساواة" – DW – 2005/11/23
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

بن جلون: "على أوروبا أن تتعامل مع تغير بنيتها السكانية بالعدل والمساواة"

أجرى الحوار محمد مسعاد

أحداث العنف الأخيرة في فرنسا لاتزال تثير أسئلة صعبة حول أبعاد عملية الاندماج في المجتمعات الأوروبية. موقعنا حاور الطاهر بن جلون احد أهم الكتاب الفرنسيين المعاصرين حول خلفيات الصدامات ومدى نجاح النموذج الفرنسي في الاندماج

https://p.dw.com/p/7V6m
الكاتب الطاهر بن جلونصورة من: AP

من دون شك، إن الأحداث التي هزت فرنسا مؤخرا، أحدثت شرخا عميقا في بنية المجتمع الفرنسي، لعل مرده هو ذلك التعامل الفوقي مع مشاكل مافتئت تكبر منذ سنوات عديدة. مشاكل سيختلف في تحليل أسبابها السياسي مع الحقوقي، والباحث الأكاديمي مع الاقتصادي. لكن لا أحد يستطيع منهم أن يغض الطرف عن انعكاساتها وخلفياتها. هنا نحاول من موقعنا هذا، أن نسلط الضوء على طبيعة وخلفيات هذه الحوادث، مع أحد كبار مثقفي فرنسا، الكاتب الطاهر بن جلون، الذي يعتبر وغيره من المبدعين، أول من دق ناقوس الخطر منذ مدة كبيرة.

لا خلفيات عرقية أو دينية

paris_feuer_artikelbild.jpg
صورة من صدامات الضواحيصورة من: ap

صدامات الضواحي بين أبناء المهاجرين ورجال الشرطة لم تكن أحداثا عابرة، بقدر ما هي أزمة عميقة داخل المجتمع الفرنسي، كما يرى بن جلون. ويمضي قائلا "لم يكن الذين انتفضوا مهاجرين، ربما كان أباؤهم أو أجدادهم كذلك، ولكنهم فرنسيون يشتركون في خاصية واحدة، هي الفقر والإقصاء والتهميش من طرف المجتمع الفرنسي". ولقد عبر هؤلاء الشباب، بشكل عنيف ضد هذا الشعور الذي يكتنفهم، فأحرقوا وكسروا حتى المدارس التي تعلموا فيها، والتي لم تمنحهم فرص الحصول على عمل.

ولا يمكن رد الأحداث إلى خلفيات عرقية أو دينية من وجهة نظر بن جلون، فعلى الرغم من وجود شباب من أصل عربي أو أمازيغي أو إفريقي، إلا أنهم فرنسيون يواجهون نفس المشاكل. ويتابع بن جلون قائلا: "لقد ظن البعض في البداية أن الإسلاميين يحركون الأحداث، لكن هؤلاء لا مصلحة لهم في تخريب فرنسا، بل على العكس حاول الأئمة إيقاف موجات الغضب، غير أنهم لم يتوفقوا في ذلك. لأن هؤلاء الشباب لا ينصتون لأحد، لا لآبائهم ولا للأئمة، إنهم ينصتون فقط للغضب الذي يعتريهم تجاه مجتمع تعامل معهم بقسوة".

نقد النموذج الفرنسي

Tahar Ben Jelloun Schriftsteller
بن جلون متأملاصورة من: AP

لسنوات عديدة كان ينظر إلى النموذج الفرنسي في الإندماج على أنه مثالا يجب الاحتذاء به، وتجسد ذلك النموذج في صهر المهاجرين مهما اختلفت مشاربهم في بوتقة الجمهورية، بحيث يصبح الجميع مواطنين فرنسيين يحملون الهوية الفرنسية وينطبق عليهم القانون الفرنسي. غير أن الأحداث الأخيرة ألقت بظلالها على النموذج الفرنسي الذي يعتبره بن جلون نموذجا غير كامل، إذ لم يتبع الفرنسيون على الإطلاق سياسة الاندماج لا مع الآباء ولا مع أبنائهم، لقد حاول بعض الأشخاص أن يندمجوا بشكل فردي، حقق شباب فرنسي من أصول مهاجرة الكثير، درسوا وحصلوا على شواهد وفرص عمل لكن الأغلبية لم تكن معنية بإجراءات الاندماج. ويمضي بن جلون قائلا: "هناك مشكل في نظري مرده أن كلمة الاندماج تسبب نوعا من اللبس، ما المقصود بكلمة اندماج؟ إنهم أبناء العائلة الواحدة فكلهم فرنسيون، فالمفروض هو العمل على إعطائهم فرصتهم في العيش الكريم. لكن فرنسا نسيت هذا، تتكلم عن الاندماج ولا تطبق معانيه. انه في نظري نموذج سيء. على العكس من ألمانيا أو بريطانيا، فلم يكن أبدا في نيتهما إدماج الترك أو المغاربة مثلا في بنية مجتمعيهما، أنهما كما نقول في السوسيولوجيا "دول غيرية"، أي أنهما يؤمنان بالغير، ويحترمانه، ويحافظان على هذا الشعور. على عكس من فرنسا التي تعاملت معهم على أساس أنهم جزء منها، ولم تبلور هذا الشعور إلى واقع ملموس".

استغلال سياسي

ثار مؤخرا نقاش حول اقتراح بتغيير الاسم أثناء عملية التجنيس لتسهيل عملية الاندماج، ويرى بن جلون أنها مسألة شخصية تتعلق بالفرد نفسه، وبشكل شخصي يرى أنها دون جدوى، لأنها تمثل محاولة لاقتلاع الشخص من جذوره. ويتابع بن جلون "هناك عدد من أبناء المهاجرين من بولونيا والمجر، الذين لم يغيروا أسماءهم، منهم وزير الداخلية ساركوزي نفسه، فهو ابن عائلة مجرية مهاجرة، لم يغير اسمه، بل حافظ عليه، فلماذا نطلب من أبناء العرب والمسلمين الآن تغيير أسمائهم، هل في الأمر شعور بالعار من الجذور. لا لا هذا أمر غير مقبول".

Sarkozy weiß die Lösung
وزير الداخلية الفرنسي ساركوزيصورة من: AP

ويعتقد بن جلون بحصول استغلال سياسي انتخابي للأحداث، فقد كان السياسيون في حملة انتخابية، وكل واحد منهم حاول ان يستثمر الأحداث لحسابات انتخابية، ويتابع بن جلون "ساركوزي، الذي استعمل خطابا عنيفا تجاه المتظاهرين، كان يراهن من خلال ذلك على أصوات اليمين المتطرف، انه يغازلهم ليقول لهم أنني قادر على إيقاف هؤلاء حتى بالعنف". ثم يتساءل بن جلون عن سبب ذلك الحقد الذي فسر به الفيلسوف غلوكسمان الشرخ الذي أصاب المجتمع الفرنسي مؤخرا، ويضيف بن جلون "الناس لا يولدون والحقد في دمهم، انه يتربى نتيجة ظروف التهميش والإقصاء الذي يتعرض لها الإنسان".

رسالة إلى السياسيين

في نهاية الحديث سألنا الكاتب الكبير بن جلون عن الرسالة التي يود توجيهها للسياسيين الأوروبيين، فضحك وقال:"على أوروبا الآن أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة الجديدة التي نبعت من التغيير الحاصل في بنيتها الديموغرافية، والمتمثل أساسا في كون هذه البنية ذات خاصية مختلطة جدا. على أوروبا أن تتعامل مع هذه الحقيقة الجديدة بنوع من العدالة والمساواة وليس بالضغط".

ولد الطاهر بن جلون سنة 1944 بمدينة فاس المغربية. اشتغل بالتدريس بمدينتي تطوان والدار البيضاء. التحق بباريس واستقر بها، وحصل على شهادة الدكتوراه في طب الأمراض النفسية الاجتماعية سنة 1971. يتوزع انتاجه بين الكتابة السردية والمسرحية و الشعر و الترجمة. حصل على عدة جوائز من أهمها جائزة غونكور، وهي أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية سنة 1987 عن روايته "ليلة القدر". كما حصل على جائزة إمباك الأدبية بدبلن سنة 2001 عن روايته "تلك العتمة الباهرة".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد