انفصال الجنوب.. آخر مسمار في نعش التحالف العربي باليمن؟ – DW – 2019/8/8
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

انفصال الجنوب.. آخر مسمار في نعش التحالف العربي باليمن؟

إسماعيل عزام
٨ أغسطس ٢٠١٩

أعلنا في البداية دعمهما لها، قبل أن تختلف الرياض وأبو ظبي في نظرتهما إلى حكومة هادي، لتأتي المواجهات الأخيرة بينها وبين الانفصاليين مؤكدة التساؤلات: هل أضحى التحالف قريبا من نهايته؟ ولم تراهن الإمارات على قوى انفصالية؟

https://p.dw.com/p/3NZiZ
Jemen Krieg | Aden - Separatisten im Südjemen
يمني يرفع علم دولة جنوب اليمن سابقا، أرشيفصورة من: Reuters/F. Salman

كانت الرياض تبتغي من إعلان تحالف عربي في اليمن عملية سريعة تنهي الخطر الحوثي على حدودها وتمنع إنشاء دولة مرتبطة بإيران. لكن بعد مرور الوقت، ظهرت مهمة اجتثاث الحوثيين صعبةً. كما ازدادت الصعوبات مع نشوب خلافات في التحالف وانسحاب دول منه، حتى أضحى اليوم عملية سعودية بالأساس؛ لأنه حتى الإمارات، الشريك الرئيسي للرياض، أعادت النظر في هذه المشاركة بما يخدم أجنداتها.

وربما لم يكن يدر بخلد مهندسي هذا التحالف، أن يأتي يوم يتحوّل فيه من يُفترض بهم التكتل لمواجهة الحوثيين إلى أعداء يقاتلون بعضهم بعضاً، والحديث هنا عن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، والحكومة الشرعية التي يفترض أن التحالف العربي تدّخل لحمايتها. فقد أضحى ممكناً استيلاء المجلس المذكور المطالب بانفصال الجنوب اليمني على القصر الرئاسي في عدن، بعد إعلانه "النفير العام"، ووقوع اشتباكات بينه وبين قوات تابعة لحكومة الرئيس هادي.

وترجع هذه الاشتباكات إلى اتهام الانفصاليين الجنوبيين لحزب الإصلاح اليمني، الحزب الإسلامي المشارك في الحكومة، بالتواطؤ في الهجوم الذين نفذته ميليشيات الحوثيين وأوقع 36 جندياً من قوات الحزام الأمني (تابعة للمجلس الانتقالي).

وعلاوة على عجز التحالف عن وقف خطر الحوثيين الذين لا يزالون قادرين على تهديد السعودية بالصواريخ، فإنه يحتوي على مفارقة بالغة تلخص كثيراً من أوجه القصور في عمله، وهي المتعلقة بحزب الإصلاح، ففي الوقت الذي يصف فيه الانفصاليون الجنوبيون أعضاء هذا الحزب بـ"الخونة"، تستمر الرياض في مهادنتها له، رغم أنه مصنف على كونه إخوانيا، أي تلك الجماعة التي تعتبرها السعودية والإمارات جماعة إرهابية، ما يشير إلى تحالف مصلحي يحمل في نشأته بذور فنائه.

حكومة هادي.. حجر الخلاف

تحتضن الرياض مقر الإقامة المؤقتة للرئيس هادي، ولا تزال الرياض ترى فيه رجلها الأول في اليمن، لكن هذه النظرة لا تشاركها معها الإمارات. فرغم التأكيدات المستمرة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أن شراكة الجانبين مستمرة وأنهما يتفقان على المرحلة المقبلة، إلّا أن مواقف مسؤولين آخرين من حكومة هادي تبعث على الشك في هذا الموقف، ومن ذلك ما كتبه ضاحي خلفان، المسؤول الأمني الإماراتي البارز، بأن "إنهاء ما يسمى بشرعية عبد ربه العلاج الحقيقي لاستقلال الجنوب"، ومشاركته للاتهام ذاته الذي وجهه الانفصاليون إلى حزب الإصلاح، ما قد يفيد أن أبو ظبي بدورها مقتنعة بالاتهام الذي يتماشى مع نظرتها للإخوان المسلمين.

وتزكي مواقف حكومة هادي هذه الشكوك، إذ كتب مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام اليمني، أن "الإمارات تتحمل مسؤولية تحرك المجلس الانتقالي (الجنوبي) ضد الحكومة الشرعية لأنها الراعي الرسمي لكل أعماله والمليشيات التابعة له"، وذلك في وقت يثمن فيه المستشار ذاته الموقف السعودي، ويؤكد أن الرياض تنحاز للشرعية. ومن المثير للاستغراب، أن صحفيا تقدمه وسائل الإعلام كمستشار إعلامي للسفارة اليمنية في الرياض، هو أنيس منصور، هاجم بشدة الإمارات، ووصفها بأقذع النعوت على صفحته في فيسبوك.

ولا تحظى حكومة هادي بتقدير الإمارات، وليس دعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، الخارج عن سلطة الحكومة، سوى أحد الأدلة على ذلك، وقد سبق للأكاديمي الإماراتي، المقرّب من الدوائر الرسمية، عبد الخالق عبد الله أن صرّح لـDW عربية أن حكومة هادي "متهالكة ولم تكن على مستوى الحديث وهي من تتحمل مسؤولية معاناة الشعب اليمني في المناطق المحررة".

لماذا المراهنة على الانفصاليين؟

هو أحد أكبر الأسئلة التي تطرح، إذ لم يحمل التحالف العربي عند إطلاق ما سمي بـ"عاصفة الحزم" في أجنداته المعلنة دعم قوات انفصالية في الجنوب، بل كان التدخل "بطلب من الحكومة في الشرعية في اليمن" حسب بيان للتحالف غداة بدء قصف مواقع الحوثيين.

لكن مع مرور الوقت، بدأ اختلاف الرؤى يظهر بين أطراف التحالف، خاصة أبو ظبي والرياض، إذ ركزت الأولى على الجنوب، للسيطرة على الموانئ الاستراتيجية وتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في منطقة ذات أهمية بالغة، لأجل مواجهة قوى إقليمية أخرى، خاصة تركيا وقطر وإيران، وهو الأمر الذي أشار إليه تحليل لموقع "إضاءات" بالقول إن "تشكيل دولتين سيسقط شرعية هادي حليف السعودية.. وأن سيناريو الانفصال قد يكون في صالح الإمارات لأنها ستبسط سيطرتها على الجنوب وستستطيع تحقيق تطلعاتها بسهولة".

ولا يخفي عدد من الإماراتيين حماستهم لانفصال الجنوب، وهو ما يكرّره ضاحي خلفان في تغريداته، ومن ذلك ما كتبه مؤخراً: "انتهاء الحكومة الشرعية اليمنية يهيئ قادة الجنوب للإعلان بعودة بلادهم إلى ما كانت عليه جمهورية مستقلة ذات سيادة انفصالها عن الشمال.. ويتم الاعتراف بعودة الروح الجنوبية إلى الجنوب العربي"، وهو أشار إليه عبد الخالق عبد الله بشكلٍ واضح في تغريدة: "لن يكون هناك يمن واحد موحد بعد اليوم".

ويذكر مركز أبعاد للدراسات والبحوث (يمني) في دراسة له، أن أبو ظبي هدفت إلى تمكين الانفصاليين من إحكام قبضتهم على المرافق الإدارية والأمنية والأجهزة العسكرية الناشئة في عدن. ولضمان حركة الشارع في صفها، اختارت عيدروس الزبيدي من التيار الاشتراكي الشعبي، وهاني بن بريك من التيار السلفي (رئيس المجلس الانتقالي ونائبه)، بل حتى إنها حافظت على خطوط التواصل مع قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ومن التفسيرات التي قدمتها الدراسة لهذا التوجه، أن أبو ظبي "بقيت مدفوعة برؤيتها في تقويض كل ما له صلة بالربيع العربي"، وأنها "نشطت لإقصاء حزب الإصلاح من السلطة". ولم يؤدِ مقتل صالح الذي كانت أبو ظبي ترغب بعودته للسلطة إلى اقتناع هذه الأخيرة بوجهة نظر السعودية في قبول خيار التحالف مع حزب الإصلاح، بل سعت أبو ظبي إلى تفعيل دور عائلة صالح، عبر دعم حضور طارق صالح، نجل شقيق صالح، في عدن، حيث افتتح معسكرات لأنصاره، وفق المصدر ذاته.

بيد أنه، وبعيداً عن التغريدات والتصريحات الإعلامية، تشكّك تقارير إعلامية في تشجيع إماراتي حقيقي لانفصال اليمن، إذ يمكن لأبو ظبي تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية بعيداً عن خطوة الانفصال التي لا يرغب بها المنتظم الدولي، على الأقل في الفترة الحالية، لما لذلك من تبعات سلبية، خاصةً مع فشل مشروع الاستفتاء على الانفصال في كردستان العراق، فضلاً عن أن جلّ الدول العربية أكدت حرصها على وحدة أراضي اليمن خوفاً من عودة خطر التقسيم. 

كما أن أيّ انفصال مفترض للجنوب اليمني عن شماله لن يكون في مصلحة الرياض، خاصة مع استمرار نفوذ الحوثيين القوي في الشمال، وهو ما يشير إليه التحليل المذكور على موقع "إضاءات"، مبرزاً أن ذلك سينهي شرعية التحالف، وسيجعل الرياض في حاجة لقوات برية في صراعها مع دولة مفترضة في الشمال.

إسماعيل عزام