انطباعات جامعية سورية عن العاصمة الألمانية – DW – 2006/2/3
  1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

انطباعات جامعية سورية عن العاصمة الألمانية

٣ فبراير ٢٠٠٦

تتميز العاصمة الألمانية برلين عن باقي المدن الألمانية بتنوع ثقافي ومعماري مذهل. زائرة سورية تحدثنا عن تجربة مليئة بصور عن الحياة اليومية في مدينة برلين الرائعة وخصوصيات سكانها المخضرمين.

https://p.dw.com/p/7vhH
مكتبة جامعة برلين الحرةصورة من: dpa

عندما وطأت قدماي العاصمة الألمانية برلين للمرة الأولى كانت المفاجأة الأولى صغر مطارها الدولي شنونيفلد حيث حطت طائرتي القادمة من دمشق. كما فوجئت بالتواضع الذي يحيط بمبناه مقارنة بتصوري عن أعظم دولة أوروبية. وعندما قيل لي إن برلين تضم مطارين آخرين في قسمها الغربي وجدت في ذلك بعض المبررات. أما المفاجأة الثانية فتمثلت في التنظيم الشديد للحياة اليومية البرلينية الذي أشعرني بالضجر خلال الأيام الأولى. فقد افتقدتُ خلالها إلى أشياء كثيرة في مقدمتها قهوة الصباح مع صديقاتي وأحاديثهن عن أخبار الجيران والشبان. كما افتقدت إلى أناس لديهم الوقت للحديث معي وتسليتي دون تخطيط مسبق. وزاد من حدة ضجري تعامل البرلينيين الذي بدا لي جافا تجاه الغريب. غير أن الأمر تغير بعد انخراطي التدريجي في المجتمع البرليني من خلال دورة قصيرة لتعلم اللغة. فلم أكتشف على ضوء ذلك مدى التعدد الثقافي والعرقي الذي تتمتع به المدينة، وإنما مدى طيبة البرلينيين الذين اكتسبت صداقة العديد منهم بعد فترة من التعارف تتجاوز المألوف منها في عالمنا العربي.

ضواح برلينية بطابع عربي وتركي

Ausländer in Berlin-Kreuzberg
ضاحية كرويتسبرغ البرلينيةصورة من: dpa

يعيش في برلين 3.8 مليون نسمة أكثر من 10 بالمائة (400 ألف) منهم من أجانب. وتعتبر الجالية التركية أكبر الجاليات الأجنبية إذ يبلغ عدد المنتمين إليها أكثر من 200 ألف. أما العرب فيقدر عددهم بنحو 70 ألفاً، بينما ينتمي الباقون إلى أصول مختلفة غالبيتها من بلدان شرق ووسط أوربا. وينحدر الكثير من البرلينيين من أصول أجنبية بشكل كلي أو جزئي. وتشير البيانات الإحصائية الألمانية إلى أن واحد من بين كل أربعة أطفال في ألمانيا ينتمي أحد والديه إلى أصل غير ألماني. أما في برلين فإن كل واحد من ثلاثة شبان على الأقل جاء أحد والديه من خارج ألمانيا. وينعكس هذا التنوع على مختلف مظاهر الحياة بمختلف جوانبها. وهذا ما يلاحظه المرء على سبيل المثال في المقاهي التي تقدم النارجيلة والمقبلات الشامية والمأكولات العربية والتركية. كما يلاحظه كذلك في الأندية والمراقص والمسارح والمراكز الثقافية التي تقدم يوميا عشرات الأنشطة بلغات مختلفة. وهناك فعاليات شعبية سنوية تعكس هذا التنوع وفي مقدمتها مهرجان الثقافات العالمي الذي يُقام نهاية كل صيف حيث تشارك فيه فرق من جاليات عربية تقدم الدبكة اللبنانية والسورية والرقص الشرقي. ويطلق البرلينيون على بعض أحياء مدينتهم أسماء أجنبية للدلالة على طابعها العالمي. فضاحية كرويتسبيرغ اسمها في حديث الناس استنبول الصغيرة للدلالة على ثقل الجالية التركية فيها. ويعرف عن ضاحية نوي كولن بأنها ضاحية العرب. وهذا ما يلمسه المرء في شوارعها المليئة بالمحال والمقاهي العربية بما فيها مطاعم الحمص والفول والشاورما.

بساطة الملبس والمأكل

BDT Modemesse in Berlin
المرأة البرلينية انيقة إذا اقتضت الضرورةصورة من: Picture-Alliance/dpa

غير أن ما لفت نظري في برلين ليس فقط تنوعها الثقافي والعرقي، وإنما بساطة سكانها، وهو ما يظهر جليا في اسلوب لباسهم وثقافتهم الغذائية. فالمرأة البرلينية لا تنشغل طوال اليوم بتحضير طعام العائلة، خاصة إذا كانت تزاول عملا ما. وإذا قامت بذلك فغالبا ما تحضر نوعا واحدا من الطعام عند المساء من أجل اليوم التالي. وإذا لم يتوفر لديها الوقت لذلك فإن أفراد العائلة يتدبرون أمرهم بحواضر البيت دون ضجيج أو شكاوى. أما على صعيد الملابس فالبرلينيون أناس عمليون يرتدون الثياب المريحة. ولعل الجميل في الأمر أن الناس تلبس ما يعجبها وليس ما يعجب الآخرين أو يلفت نظرهم. ولا تبدو الجامعات هناك كمكان لعرض الأزياء وخاصة من قبل الطالبات كما هو عليه الحال في جامعاتنا. وما يبعث على مزيد من الارتياح هو أن اللباس أو الماكياج ليس موضع انتقاد هناك إلا إذا كان الأمر يتعلق بمناسبة أو بطبيعة عمل تطلب لباسا رسميا. ففي حالات كهذه يبدو الذين يهمهم الأمر في غاية الأناقة.

لغة خاصة بكل المقاييس

Treffen von Klaus Wowereit und Hadj Omar Bongo Ondimba, Präsident von Gabun, in Berlin
ضيف أجنبي مع عمدة برلين كلاوس فوفيرايتصورة من: AP

وعلى غير اللباس والطعام والثقافة ذات الطابع العالمي في برلين تبدو اللغة الألمانية لغة خاصة بكل المعايير. فعلى على عكس معظم اللغات لا تقتصر أدوات التعريف على المذكر والمؤنث. هناك أيضا أداة تعريف حيادية تنطبق على أسماء كثيرة كالسيارة والفتاة والطفل. وهناك الكثير من الأسماء المذكرة لدينا مؤنثة لدى الألمان أوالعكس. وهذا ما يجعل تعلم اللغة الألمانية صعبا. ويزيد من هذه الصعوبة ورود الفعل في نهاية الجملة بدلا من بدايتها كما هو عليه الحال في لغتنا. ولا ننسى كذلك أن الأحرف الصوتية ذات النقط صعبة اللفظ. كما أن نطقها بشكل خاطئ يعطي معان أخرى للعديد من الكلمات التي تتضمنها كما هو عليه الحال في كلمتي قبلة ومخدة.

أخيرا وليس آخرا فإن زيارتي القصيرة إلى برلين كانت كافية لإظهار مدى أهمية التنظيم واحترام الوقت في نهضة المجتمعات. أما على الصعيد الشخصي فقد لفتت نظري الثقة الكبيرة بالنفس التي تتمتع بها المرأة الألمانية في مكان التعلم والعمل.

عفراء محمد